Wednesday, August 11, 2010

قول في الزمن

1

هل الزمن هو الساعة التي تلف معصمي؟ أم هو العقب الزاحف في صحرائها؟ أم هو يا ترى شبح يخالجنا في لحظات السرور و في لحظات التعاسة؟ أم عساه يكون مجرد فكرة اختلقناها لننسى ما نكره و نذكر ما نحب؟ شمرت ضروب المعارف عن سواعدها لتعطي للزمن فهما متماسكا و وصفا متسقا، و المضحك في الأمر أنه كلما زاد التفصيل في شرح الزمن و تفسيره، زاد لغزه صعوبة و انغلاقا. نحن نفهم الزمان كما نفهم المسطرة، فهو خطي و مقسم و متصاعد – مثل المسطرة. و لكن!!! لماذا لا ننظر إليه كدائرة؟ أو كمثلث؟ لماذا نفكر في الزمان كأنما هو سطح؟ أم أننا مازلنا رازحين تحت تأثير كلام أينشتاين : ألا إن الزمان ليس إلا بعدا ؟ ألا تعتقد أن الزمان بدلا من أن يكون بعدا حري به أن يكون مجالا؟ فبدل الدائرة، نعتبره كرة؟ و لكن المشكلة هنا هي أن الزمان إن كان مجالا فهو حاو،يحوي الأشياء، أي أننا فيه، و ليس هو فينا. غير أننا نشعر به في صميمنا، في أعماقنا، فكيف يكون خارجا عنا؟ إنه فينا و نحن فيه!

عندما نفكر في شيء نفكر فيه كمعطى في زمان. إنظر إلى هذا الأمر الغريب و الرائع، على الرغم من أننا في الزمان، إلا أن لدينا شحنات زمانية، فلعقلك القدرة على أن يضيف الزمان إلى الموضوعات التي يفكر فيها! يا للعجب! لنفكر في الموضوع بالعكس، أليس من الممكن أننا عندما نفكر ننشؤ مجالا زمانيا؟ أي، ليس للزمان وجود خارج العقل!!! أتدري ما معنى ذلك؟ أن فيك – أنت - كل ما يمكن أن يحدث لك، فأنت عالمك و أنت مصيرك! أنت حياتك و أنت مماتك!

إذا فكرت في الزمان، فأنت تقتطع منه جزءا لتجعله موضوعا للتفكير، و فور اقتطاع ذلك الجزء، يصير خارج مجاله. و ينجم عن هذا، أن قطعة الزمان تلك، ليست إلا تصورا مجردا و جزئيا و معزولا لشيء أعم هو الزمان. بكلام آخر، إذا فكرت في الزمان، فأنت تفكر في تصور مختلق لموضوع تتوفر فيه الخصائص التصورية للزمان، على الرغم من أن ذلك التصور، من الناحية العملية، ليش زمانيا، إلا بدلالة عملية التفكير. و عليه، فكل محاولة للتفكير في الزمان، بالإستعانة بالملكات الذهنية للعقل، ستفشل فشلا مخجلا. و لكن، ما الحل؟

أوضح التجليات الفيزيائية للزمان، هي أكثرها سذاجة و بدائية. فنحن لا نفهم الزمان بمعزل عن الحركة، لأن الحركة هي الشرط الفيزيائي للزمان. إذ إن افتراض وجود كائنات لا-زمانية يؤدي إلى القول بامتناع حركتها، فالكائن اللا-زماني هو كائن ساكن( من السكون). و السكون، من جهة كونه حالة أنطولوجية، يفترض قبليا الإمتلاء، لأن الفراغ من لوازم الحركة. و لكن، لنحاول أن نفكر في الزمان على ضوء الإضافة الأخيرة. هل أستطيع أن أفهم الزمان، بمعزل عن الحركة، التي هي ، أنطولوجيا، شرط ضروري بحضورته يحضر الزمن؟ من الناحية التاريخية، من السهل أن نستقصي أصل هذه الفكرة. فقد زعم أرسطو، و ايده بعد ذلك إبن رشد، أن العالم قديم( أي لم يخلق و لم يستحدث) و إن الإله كائن موجود وجودا أزليا ( فالإله و العالم قديمان). و بما أن الإله لم يخلق العالم، و بما أنه كامل فلابد ان يضيف شيئا من هذا الكمال إلى العالم، و الحركة كانت تلك الإضافة. قال ارسطو،" الإله لم يخلق العالم، بل بث فيه الحركه الأولى، و أدار للعالم ظهره". من هذا جاء القول، بأن الإله هو المحرك الأول. و استكمالا للإستدلال، نرى أن الزمان في العالم، حسب الرؤية الأرسطية، بدأ مع بدأ الحركة. و بدلالة الحركة فهم المفكرون العلميون و الفلسفيون فكرة الزمان. فكل أنواع الساعات تعتمد على الحركة، و ما الحركة إلا تغير تدريجي في الإحداثيات الحسابية للأجسام، و هذه الأجزام قد تكون أجراما سماوية، و قد تكون عصبونات معدنية رقيقة مثبتة بمحور ينصف ساعة قديمة. إن الإنسان عاجز عن فهم الزمان بلا حركة.

التتمة آتية، مع سيل الزمن العارم....

No comments: